فصل: الخبر عن افتراق بني إسرائيل منهم بيت المقدس على سبط يهوذا وبنيمامين إلى انقراضه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  الخبر عن افتراق بني إسرائيل منهم بيت المقدس على سبط يهوذا وبنيمامين إلى انقراضه

لما قبض سليمان صلوات الله عليه وسلامه ولى ابنه رحبعم وضبطه براء مهملة وهاء مهملة مضمومتين وباء موحدة ساكنة وعين مهملة مضمومة وميم فقام بأمره وزاد في عمارة بيت لحم وغزة وصور وأيلة واشتد على بني إسرائيل وطلبوا منه تخفيف الضرائب فامتنع وطالبهم بالوظائف وأخذ فيهم برأي الغواة من بطانته فنقموا عليه ذلك وانتقضوا‏.‏ وجاءهم يربعم بن نباط من مصر فبايعوه وولوه عليهم واجتمع عليه سائر الأسباط العشرة من بني إسرائيل ما عدا أسبط يهوذا وبنيامين وتزاحفوا للحرب‏.‏ ثم دعاهم بعض أنبيائهم للصلح فتواضعوا واصطلحوا‏.‏ وفي السنة الخامسة من ملك رحبعم زحف شيشاق ملك مصر إلى بيت المقدس فهرب رحبعم واستباحها شيشاق ورجع وضرب عليهم الجزية ثم دفعوه ومنعوه‏.‏ فأقام بنو داود في سلطانهم على بني يهوذا وبنيامين ببيت المقدس وعسقلان وغزة ودمشق وحلب وحمص وحماة وما إلى ذلك من أرض الحجاز وملك الأسباط العشرة بنواحي نابلس وفلسطين‏.‏ ثم نزلوا مدينة شومرون وهي شمر وسامرة في الناحية الشرقية الشمالية من الشام مما يلي الفرات والجزيرة واتخذوها كرسيا لملكهم ذلك‏.‏ وأقاموا على هذا الافتراق إلى حين انقراض أمرهم ووقعوا في الجلاء الذي كتب الله عليهم كما نذكره‏.‏ ثم هلك رحبعم لسبع عشرة سنة من دولته وولي بعده على سبط يهوذا وبنيامين بأرض القدس ابنه أفيا وضبطه بهمزة مفتوحة ومتوسطة بين الفاء والذال من لغتهم وياء مثناة من تحت مشددة وألف وكان على مثل سيرة أبيه‏.‏ وكان عابدا صواما وكانت أيامه كلها حربا مع يربعم بن نباط وبني إسرائيل‏.‏ وهلك لثلاث سنين وولي بعده ابنه أسا بضم الهمزة وفتح السين المهملة وألف بعدها ابن أفيا‏.‏ وطال أمد ملكه وكان رجلا صالحا وكان على مثل سيرة جده داود صلوات الله عليه وتعدت الأنبياء في بني إسرائيل على عهده ومات يربعم بن نباط لسنتين من ملكه‏.‏ وملك بعده ابنه ناداب وقتله يعشا بن أحيا كما نذكر في أخبارهم‏.‏ ثم وقعت بينه وبين أسا حروب واستبد أسا بملك دمشق فزحف معه وكان يعشا ملك السامرة في ناجية يثرب لبنائها فهرب وترك آلات البناء فنقلها أسا ملك القدس وبنى بها الحصون‏.‏ ثم خرج عليهم زادح ملك الكوش في ألف ألف مقاتل ولقيهم أسا فهزمهم واثخن فيهم‏.‏ ولم تزل الحرب قائمة بين أسا وبين الأسباط بالسامرة سائر أيامه‏.‏ وعلى عهده اختطت السامرة كما نذكره بعد‏.‏ ثم هلك أسا بن أفيا لإحدى وأربعين سنة من ملكه‏.‏ ولي بعده ابنه يهوشافاط بياء مفتوحة مثناة تحتانية وهاء مضمومة وواو ساكنة وشين معجمة بعدها ألف ثم فاء بعدها ألف وطاء فكان على مثل سيرة أبيه‏.‏ وكانت أيامه مع أهل السامرة وملوكهم سلما‏.‏ واجتمع ملوك العمالقة ويقال أدوم وخرج لحربهم فهزمهم وغنم أموالهم‏.‏ وكان لعهده من الأنبياء إلياس بن شوياق وإليسع بن شوبوات‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ إيليا ومنحيا وعبوديا وكانت له سفن في البحر يجلب له فيها بضائع الهند فأصابها قاصف الريح فتكسرت وغرقت‏.‏ ثم هلك لخمسة وعشرين سنة من ملكه وولي ابنه يهورام بفتح المثناة التحتانية ثم هاء مضمومة تجلب واوا ثم راء مفتوحة تجلب ألفا وبعدها ميم وانتقض عليه أدوم وولوا عليهم ملكاً‏:‏ ألنهم‏.‏ فزحف فيهم ووقع بهم في سفيرا أوسط بلادهم وأثخن فيهم بالسبي والقتل‏.‏ ثم رجع عنهم وأقاموا في عصيانهم وعلى عهده زحف ملك الموصل إلى الأسباط بالسامرة فكانت بينه وبينهم حروب كما نذكر‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ كانت على بني مؤاب جزية مضروبة لبني يهوذا‏:‏ مائتان من الغنم كل سنة فمنعوها واجتمع ملوك القدس والساقية لحربهم وحاصروهم سبعة أيام وفقدوا الماء فاستسقى لهم إليسع وجرى الوادي‏.‏ فخرج أهل مؤاب فظنوه ماء فقتلهم بنو إسرائيل وأثخنوا وفي أيام يهورام رفع إيليا النبي وانتقل سره إلى إليسع وكان على عهده من الأنبياء أيضاً عبودياً ثم هلك يورام لثمان سنين من ملكه ودفن عند جده داود وولي بعده ابنه أحزياهو بهمزة مفتوحة وحاء مهملة مضمومة وزاي معجمة ساكنة ثم ياء مثناة تحتية تجلب ألفا ثم هاء مضمومة تجلب واوا وأمة عثليا بنت عمري أخت أخاب وسار سيرة خاله وملك سنة واحدة وقيل سنتين وخرج لقتال ملك الجزيرة والموصل واستنفر معه صاحب السامرة يورام ابن خاله أخاب فاقتتلوا معه ثم انصرفوا وابن خاله جريح‏.‏ وجاءه أحزياهو في بعض الأيام يعوده‏.‏ وكان ابن يهوشافاط ابن منشي من سبط منشا بن يوسف يترصد قتل يورام بن أخاب ملك السامرة فأصاب فرصة في ذلك الوقت فقتلهما جميعا‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ إن يورام بن أخاب ملك السامرة خرج لحرب أدوم في رواية كلعاد وخرج معه أحزياهو فقتلا في تلك الحرب‏.‏ قال‏:‏ وقيل أن ياهوعشا رمى بسهم فأصاب يورام بن أخاب وكان لعصره من الأنبياء إليسع وعامور وفنحاء‏.‏ ثم ملك بعد أحزيا أمه غثليا بنت عمري كذا وقع اسمها في كتاب الطبري‏.‏ وفي كتاب الإسرائيليات اسمها أضالية‏.‏ ويقال كانت من جواري سليمان ثم استفحل ملكها بالقدح وقتلت بني داود كلهم وأغفلت ابنا رضيعا من ولد أبيها أحزياهو اسمه يؤاش بضم الياء المثناة التحتية ثم همزة مفتوحة تجلب ألفا ثم شين معجمة أخفته عمته يهوشيع بنت يهورام في بعض زوايا القدس وعلم بمكانه زوجها يهوديادع وهو يومئذ الكوهن الأعظم‏.‏ حتى إذا كملت له سبع سنين ونقم بنو يهوذا سيرة عثليا اجتمعوا إلى يهوديادع الكوهن فأخرج لهم يؤاش بن أحزياهو من مكانه واستحلفهم فبايعوا له وقتلوا جدته غثليا ومن معها لسبع سنين من ملكها‏.‏ وقام يؤاش بملكه في تدبير يهوديادع الكوهن ثم أراد عبادة الأصنام فمنعه زكريا النبي فقتله‏.‏ وكان لعهده من الأنبياء إليسع وعوفريا وزكريا بن يهوديادع‏.‏ وهلك يهوديادع لثلاث وعشرين سنة من ملك يؤاش بعد أن جدد يؤاش بيت المقدس ولثمان وثلاثين من ملكه قبض إليسع النبي صلوات الله عليه‏.‏ وعلى عهده زحف شريال ملك الكسدانيين ببابل إلى بيت المقدس ويقال ملك نينوى والموصل وقال ابن العميد‏:‏ ملك الشام فأعطاهم جميع ما في خزائن الملك وبيت المقدس من الأموال ودخل في طاعتهم إلى أن قتله وزراؤه وأهل دولته لأربعين سنة من ملكه وولوا مكانه ابنه أمصياهو بفتح الهمزة والميم وسكون الصاد المشمة بالزاي بعدها ياء مثناة تحتانية بفتحة تجلب ألفا ثم هاء مضمومة تجلب واوا واستبدوا عليه ثم ثار عليهم بأمه وقتلهم أجمعين‏.‏ وسار إلى أدوم فظفر بهم وقتل منهم نحوا من عشرين ألفا‏.‏ ثم زحف إليه ملك الأسباط بالسامرة ولقيه فهزمه وحصل في أسره‏.‏ وسار إلى بيت المقدس فحاصرها وهدم من سورها نحوا من أربعمائة ذراع واقتحمها فغنم ما في خزائن بيت السلطان وبيت الهيكل من الأموال والأواني والذخائر ورجع إلى السامرة فأطلق أمصياهو ملك القدس فرجع إلى قومه ورم ما تثلم من سورها‏.‏ ولم يزل مملكا حتى نقموا عليه أفعاله فقتلوه لسبع وعشرين سنة من ملكه‏.‏ وكان لعهده من الأنبياء يونان وناحوم وتنبأ لعصره عاموص‏.‏ ولما قتلوا أمصياهو ولوا ابنه عزياهو بعين مهملة مضمومة وزاي معجمة مكسورة مشددة وياء مثناة تحتانية تجلب ألفا وهاء تجلب واوا وطالت مدته ثلاثا وعشرين سنة واختلفت فيها أحواله‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ ولخمس من ملكه كان ابتداء وضع سني الكبس التي هي سنة بعد أربع تزيد يوما على الماضية بحساب ربع يوم في كل سنة الذي أقتضاه حساب مسير الشمس عندهم‏.‏ قال‏:‏ ولست من ملكه انقرض ملك الأرمانيين من الموصل وصارت إلى بابل‏.‏ ولاثنتين وعشرين من ملكه غزا ملك بابل واسمه فول مدينة السامرة فاقتحمها وأعطاه ملكها بدرة من المال فرجع عنه‏.‏ قال‏:‏ ولعهده ملك علي بابل رينوس ويلقب قطب الملك ولعهده ملك على اليونانيين ملكهم الأول من مدينة أنقياس لثلاث وعشرين سنة من تملك عزياهو‏.‏ قال‏:‏ ولإحدى وخمسين من ملكه ملك ببابل بختنصر الأول‏.‏ قال‏:‏ ولعهده أيضاً كان الملك الأول من الروم المقدويس ويسمى قال ابن العميد‏:‏ وانتهت عساكر عزياهو إلى ثلثمائة ألف وأصابه البرص بدعاء الكوهن لما أراد أن يخالف التوراة في استعمال البخور وهو محرم على سبط لاوي فبرص ولزم بيته سنة‏.‏ وصار ابنه يؤام ينظر في أمر الملك إلى أن تغلب على أبيه‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ وعلى عهده أيضاً قتل شرديال آخر ملوك بابل من الكلدانيين على يد قائده أرباط بن ألمادس‏.‏ واستبد بملك بابل وأصاره إلى قومه بعد حروب طويلة‏.‏ ثم زحف إلى القرط والعرب من قضاعة فحاربهم طويلا وانصرف عنهم‏.‏ ثم هلك عزياهو لثلاث وخمسين سنة من ملكه وملك بعده ابنه يؤاب وكان صالحا تقيا‏.‏ وكان لعهده من الأنبياء هوسيع وأشعيا ويوئيل وعوفد‏.‏ وفي أيامه استبد أغلب ملوك الجزيرة على اليهود وكانوا يعرفون بالسوريانيين‏.‏ ثم هلك يوآب لست عشرة سنة من ملكه وملك ابنه أحاز بهمزة مفتوحة ممالة وحاء مهملة تجلب ألفا وزاي معجمة فخالف سنة آبائه‏.‏ وعبد بنو إسرائيل الأوثان في أيامه وحارب الأرمن واستجاش عليهم بملك الموصل فزحف معه وحاصر دمشق وملكها منهم واستباحها ورجع إلى بلاده‏.‏ ثم خرج أحاز لحربهم فهزموه وقتلوا من اليهود مائة وعشرين ألفا ونحوها وارجعوا أحاز إلى دمشق أسيرا‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ وعلى عهد أحاز كان إنقراض ملك ألماريس على يد كيرش ملك الفرس ورجعت أعمالهم إليه ويقال‏:‏ إن آخر ملوكهم هو أشتانيش وكان جد كيرش لأمه وكفله صغيرا فلما شب وملك حارب جده فقتله وانتزع ملكه‏.‏ وقال ابن العميد عن المسبحي‏:‏ ولذلك العهد ملك على الروم الفرنجة غير اليونان الأخوان روملس ورومانس واختط مدينة رومة‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ ولعهده ملك على الروم اللطينيين بأرض أنطاكية روملس ثم مركة وبنى مدينة رومة‏.‏ ثم هلك آحاز لست عشرة من ملكه وولى ابنه حزقياهو بحاء مهملة مكسورة وزاي معجمة ساكنة وقاف مكسورة وياي مثناة تحتانية مشددة تجلب ألفا وهاء مضمومة تجلب واوا فقطع عبادة الأوثان وسار سيرة جده داود ولم يكن في ملوك بني يهوذا مثله‏.‏ وعصى على ملك الموصل وبابل وتوريش وهزم فلسطين وخرب قراهم‏.‏ وفي أيامه وأيام أبيه سار شليشار ملك الجزيرة والموصل إلى الأسباط بالسامرة فضرب عليهم الجزية ثم سار في أيامه فأزال ملكهم‏.‏ ولأربع من ملكه زحف إليه رضين ملك دمشق ورجع عنه من غير قتال‏.‏ ولأربع عشرة من ملكه زحف إليه سنجاريف ملك الموصل بعد فتح المسرة فافتتح أكثر مدائن يهوذا وحاصرهم ببيت المقدس‏.‏ وصانعه حزقياهو بثلثمائة قنطار من الفضة وثلاثين من الذهب أخرج فيها ما كان في الهيكل وبيت الملك من المال ونثر الذهب من أبواب المسجد دفع ذلك له ورجع عنه‏.‏ ثم فسد ما بينهما وزحف إليه سنجاريف ثانياً وحاصره وامتنع من قبول مصانعته‏.‏ وقال من ذا الذي خلصه إلهه من يدي حتى يخلصكم أنتم إلهكم فخافوا منه وفزعوا إلى النبي شعياء في الدعاء فأمنهم منه ودعا عليه فوقع الطاعون في عسكره‏.‏ ثم تواقعوا في بعض الليالي فبلغ قتلاهم مائة وعشرين ألفا ورجع سنجاريف إلى نينوى والموصل فقتله أبناؤه وهربوا إلى بيت المقدس وملك ابنه السرمعون‏.‏ وقال الطبري‏:‏ إن ملك بني إسرائيل أسر سنجاريف وأوحى الله إلى شعياء أن يطلقه فأطلقه قال‏:‏ وقيل إن الذي سار إليه سنجاريف من ملوك بني إسرائيل كان أعرج وأن سنجاريف لعهد ملك أذربيجان وكان يدعى سليمان الأعسر‏.‏ فلما نزل بيت المقدس صار بينهما أحقاد كامنة فتواقعوا وهلك عامة عسكرهما وصار ما معهما غنيمة لبني إسرائيل‏.‏ وبعث ملك بابل إلى حزقيا ملك الفرس بالهدايا والتحف فأعظم موصلها وبالغ في كرامة الوفد وفخر عليهم بخزانته وطوفهم عليها فنكر ذلك عليه شعياء النبي وأنذره بأن ملوك بابل يغنمون جميع هذه الخزائن ويكون من أبنائك خصيان في قصرهم‏.‏ ثم هلك حزقياهو لتسع وعشرين سنة من ملكه وولى ابنه منشا بميم مكسورة ونون مفتوحة وشين معجمة مشددة وألف وكان عاصيا قبيح السيرة وكانت آثاره في الدين شنيعة‏.‏ وأنكر عليه شعيا النبي أفعاله فقتله نشرا بالمناشير من رأسه إلى مفرق ساقيه وقتل جماعة من الصالحين معه‏.‏ وفي تاسعة وثلاثين من ملكه ملك سنجاريف الصغير مملكته الموصل‏.‏ قاله ابن الحميد‏:‏ وفي الثانية والخمسين بنيت بوزنطية بناها بورس الملك وهي التي جددها قسطنطين وسماها باسمه‏.‏ وفي أيامه ملك برومة قنوقرسوس الملك‏.‏ وفي الحادية والخمسين من ملكه زحف سنجاريف ملك الموصل إلى القدس فحاصرها ثلاث سنين وافتتحها في الرابعة والخمسين من ملكه وولى بعده ابنه أمون بهمزة قريبة من العين والميم مضمومة تجلب واوا ثم نون وكانت حاله مثل حال أبيه فملك سنتين وقيل اثنتي عشرة ثم اغتاله عبيده فقتلوه‏.‏ واجتمع بنو يهوذا فقتلوا أولئك العبيد وأقاموا ابنه يوشيا مكانه وضبطه بياء مثناة تحتية مضمومة تجلب واوا بعدها شين معجمة مكسورة ثم ياء مثناة تحتية بفتحة تجلب ألفا‏.‏ فلما ملك أحسن السيرة وهدم الأوثان وكان صالح الطريقة مستقيم الدين‏.‏ وقتل كهنة الأصنام وهدم البيوت والمذابح التي بناها يربعام بن نباط بالبرابرة‏.‏ وكان في أيامه من الأنبياء صفونا وكلدي إمراة شالوم وناحوم‏.‏ وتنبأ لعهده أرميا بن ألحيا من نسل هارون وأخبرهم بالجلاء إلى بابل سبعين سنة‏.‏ فأخذ يوشيا قبة القربان وتابوت العهد وأطبق عليهما في مغارة فلم يعرف مكانهما من بعد ذلك‏.‏ وفي أيامه ملك المجوس بابل ولإحدى وثلاثين من دولته ملك فرعون الأعرج مصر وزحف لقتال مسبح بالفرات فخرج يوشيا لحربه وانهزم يوشيا فهلك بسهم أصابه لاثنتين وثلاثين من دولته وولي بعده ابنه يوآش ويقال اسمه يهوياحاز فعطل أحكام التوراة وأساء السيرة فزحف اليه فرعون الأعرج وأأخذه ورجع به الى مصر فمات هنالك‏.‏ وضرب على أرضهم الخراج مائة قنطار فضة وعشرة ذهبا‏.‏ وكانت ولايته ثلاثة أشهر وولوا مكانه أخاه ألياقيم بن يوشيا بهمزة مفتوحة ولام ساكنة وياء مثناة تحتانية يجلب فتحها ألفا وقاف مكسورة تجلب ياء ثم ميم وكان عاصيا كافرا وكان يأخذ الخراج لفرعون من بني يهوذا على قدر أحوالهم‏.‏ ثم زحف إليه بختنصر ملك بابل لسبع من ولاية ألياقيم فملك الجزيرة وسار إلى بيت المقدس فضرب عليهم الجزية أولا ودخل ألياقيم في طاعته ثلاث سنين‏.‏ وسلط الله عليه أدوم - وعمون - وموآب والكلدانيين‏.‏ ثم انتقض عليه فسرح الجيوش إليه فقبضوا عليه واحتملوه إلى بابل فهلك في طريقه لإحدى عشرة سنة من ملكه‏.‏ وولى بختنصر مكانه ابنه يخنيو بفتح الياء المثناء التحتانية بعدها خاء معجمة مضمومة ثم نون ساكنة وبعدها ياء تحتانية تجلب ضمتها واوا فأقام ثلاثة أشهر ثم زحف إليه وحاصره وأخرج إليه أمه وأشراف مملكته فأشخصهم إلى بلده وجمع أهله ورجال دولته وسائر بني إسرائيل نحوا من عشرة آلاف واحتملهم أسارى إلى بابل‏.‏ وغنم جميع ما كان في الهيكل والخزائن من الأموال وجميع الأواني التي صنعها سليمان للمسجد‏.‏ ولم يترك بمدينة القدس إلا الفقراء والضعفاء وبقي يخنيو ملك بني إسرائيل محبوسا سبعا وثلاثين سنة‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ إن بختنصر سار إلى القدس في الثالثة من مملكة ألياقيم وسبى طائفة منها وانتهب جميع ما في بيت الهيكل‏.‏ وكان في سنة دانيا وخاينا وعزاريا وميصائل‏.‏ وإن في السنة الخامسة من ملكه قاتل بختنصر فرعون الأعرج ملك مصر‏.‏ وفي الثانية من ملك ألياقيم غزا بختنضر القدس ووضع عليهم الخراج وأبقى ألياقيم في ملكه وهلك لثلاث سنين بعد ذلك‏.‏ وملك ابنه يخنيو‏.‏ وكان لعهده من الأنبياء إرميا وأوريا بن شعيا وموري والد حزقيا‏.‏ وفي أيامه تنبأ دانيال‏.‏ ثم سار بختنصر ليخنيو فأشخصه إلى بابل كما مر‏.‏ وقال الطبري ووافقه نقل هروشيوش‏:‏ إن بختنصر ولى مكان يخنيو بن ألياقيم عمه متنيا بميم مفتوحة وتاء مثناة فوقانية مفتوحة مشددة ونون ساكنة وياء مثناة تحتانية تجلب ألفا ويسمى صدقياهو وكان عاصيا قبيح السيرة‏.‏ ولتسع سنين من ولايته أنتقض على بختنصر فزحف إليه في العساكر وحاصر بيت المقدس وبنى عليها المدر للحصار وأقام ثلاث سنين واشتد الحصار بهم فخرجوا هاربين منها الى الصحراء‏.‏ وأتبعتهم العساكر من الكلدانيين وأدركوهم في أريحا فقبض على ملكهم صدقياهو وأتى به أسيرا فسمل عينيه‏.‏ وقال الطبري‏:‏ وذبح ولده بمرأى منه ثم أعتقله ببابل إلى أن مات ولحق بعض من بني إسرائيل بالحجاز فأقاموا مع العرب‏.‏ وكان لعهده من الأنبياء أرميا وحبقون وباروح‏.‏ وبعث بختنصر قائده نبوزراذون بنون مفتوحة وباء موحدة مضمومة تجلب واوا بعدها زاي وراء مفتوحة تجلب ألفا وذال مضمومة تجلب واوا بعدها نون بعثه إلى مدينة القدس وكانوا يدعونها مدينة أورشليم فخربها وخرب الهيكل وكسر عمد الصفر التي نصبها سليمان في المسجد طول كل عمود منها ثمانية عشر ذراعا وطول رؤوسها ثلاثة أذرع‏.‏ وكسر صرح الزجاج وسائر ما كان بها من آثار الدين والملك واحتمل بقية الأواني وما كان وجده من المتاع وسبى الكوهن سارية والحبر منشا وخدمة الهيكل إلى بابل‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ وأبقى صدقياهو محبوسا ببابل إلى أن أطلقه بزداق قائد بهمن ملك الفرس حين غلبوا على بابل فأطلقه ووصله وأقطعه‏.‏ وقال مؤرخ حماة ووافقه المسعودي‏:‏ إن بختنصر بعد تخريب القدس هرب منه بعض ملوك بني إسرائيل إلى مصر وبها فرعون الأعرج وطلبه بختنصر فأجاره فرعون وسار إليه بختنصر فقتله وملك مصر‏.‏ وافتتح من المغرب مدائن وبث فيها دعاته وكان إرميا نبي بني إسرائيل من سبط لاوي ويقال اسمه إرمياء بن خلقيا‏.‏ وكان على عهده صدقياهو ووجده بختنصر في محبسهم فأطلقه واحتمله معه في السبي إلى بابل‏.‏ وقيل‏:‏ إنه مات في محبسه ولم يدركه بختنصر‏.‏ وكذلك احتمل معهم دانيال بن وقال ابن العميد‏:‏ وولي جدليا بن أحان على من بقي من ضعفاء اليهود بالقدس ولسبعة أشهر من ولايته قام إسماعيل بن متنيا بن إسماعيل من بيت الملك فقتل جدليا واليهود والكلدانيين الذي معهم‏.‏ ثم هرب إلى مصر وهرب معه إرميا وهرب حبقون إلى الحجاز فمات وكان قيما ولحقهم بمصر‏.‏ وتنبأ إرميا في مصر وبابل وأورشليم وصور وصيدا وعمون ثمانية وثلاثين سنة ورجمه أهل الحجاز فمات‏.‏ وكان فيما أخبرهم به مسير بختنصر إلى مصر وتخريبه هياكلها وقتله أهلها‏.‏ ولما دخل بختنصر مصر نقل جسده إلى اسكندرية ودفنه بها وقيل دفن بالقدس لوصيته‏.‏ وأما حزقياهو فقتله اليهود في السبي‏.‏ قال الطبري‏:‏ وافترقت جالية بني إسرائيل في نواحي العراق إلى أن ردهم ملوك الفرس إلى القدس فعمروه وبنو مسجده‏.‏ وكان لهم فيه ملك في دولتين متصلتين إلى أن وقع بهم الخراب الثاني والجلوة الكبرى على يد طيطش من ملوك القياصرة كما نذكر بعد‏.‏ ولنذكر هنا ما وقع من الخلاف في نسب بختنصر هذا وإلى من يرجع من الأمم فقد ذهب قوم إلى أنه من عقب سنجاريف ملك الموصل الذي كان يقاتل بني إسرائيل والسامرة بالقدس‏.‏ قال هشام بن محمد الكلبي فيما نقل الطبري‏:‏ هو بختنصر بن نبوزراذون بن سنجاريف‏.‏ ثم نسب سنجاريف الى نمروذ بن كوش بن حام الذي وقع ذكره في التوراة في ولد كوش وعد بين سنجاريف والنمروذ ستة عشر أبا أو نحوها أولهم داريوش بن فالغ وعصا بن نمروذ أسماء غير مضبوطة يغلب علي الظن تصحيفها لعدم دراية الأصول وقلة الوثوق بضبطها‏.‏ وقيل إن بختنصر من نسل أشوذ بن سام ولم يقع إلينا رفع هذا النسب ولعله أصح من الأول لأنه قد تقدم نسب سنجاريف في الجرامقة ثم في الموصل منهم وهم من ولد أشوذ باتفاق من أهل فارس‏.‏ نقله أيضاً الطبري عن ابن الكلبي وأن اسمه بختمرسه فسمي بختنصر وكان يملك ما بين الأهواز والروم من غربي دجلة أيام هراسب ويستاسب وبهمن من ملوك الفرس‏.‏ وأنه افتتح ما يليه من بلاد بابل والشام ثم سار إلى القدس فافتتحها كما تقدم‏.‏ وقيل إن بهمن بعث رسله إلى القدس في من طلب الطاعة منهم فقتلوه فبعث بهمن أصبهبذا للناحية القريبة في مملكته وبعث معه داريوس من ملوك مارى بن نابت وكيرش بن كيكوس من ملوك بني غليم بن سام وأحشوراش بن كيرش بن جاماهن من قرابته‏.‏ وسار معهم بختنصر بن نبوزراذون بن سنجاريف صاحب الموصل الذي لقومه البراآت في أهل المقدس فكان ما وقع من الفتح‏.‏ وقيل كان بختنصر صاحب الموصل في مقدمتهم وكان الفتح على يده‏.‏ وأما بنو إسرائيل فيزعمون أن بختنصر من الكلدانيين وهو ولد ناحور بن آزر أبي إبراهيم عليه السلام‏.‏ وكان لهم الملك ببابل وكان بختنصر هذا من أعقابهم وكان مدة دولته خمسا وأربعين سنة‏.‏ وكان فتحه المقدس لثمانية عشر من دولته‏.‏ وملك بعده أويل مروماخ ثلاثاً وعشرين سنة‏.‏ ثم بعده ابنه فيلسنصر بن أويل ثلاث سنين‏.‏ ثم غلب عليهم كوروش وأزال ملكهم‏.‏ وهو الذي رد بني إسرائيل الى بيت المقدس فعمروه وجددوا به ملكا كما نذكره‏.‏ وقد اختلف في كيرش الذي رد بني إسرائيل إلى المقدس من هو بعد اتفاقهم على أنه من الفرس‏:‏ فقيل هو يستاسب ولم يكن ملكاً وإنما كان مملكاً على خوزستان وأعمالها من قبل كيقوس وبنجسون بن سياوش ولهراسب من بعدهما وكان عظيم الشأن ولم يكن ملكاً‏.‏ وقيل‏:‏ إن كيرش هو ابن أحشوارش بن جاماسب بن لهراسب وأبوه أحشوارش هذا الذي بعثة بهمن‏.‏ ولما رجع من ذلك الفتح بعثه إلى ناحية الهند والسند وانصرف إلى حصن الأبر فولاه بابل وتزوج من سبي بني إسرائيل ابنة أبي حاويل الرحا وأخت مردخاي من الرضاع وهو من أنبياء بني إسرائيل‏.‏ فتزعم النصارى أنها ولدت عند حيراحوارس إلى بابل ابنه كيرش هذا‏.‏ فحضنه مردخاي ولقنه دين اليهودية ولزم سائر أنبيائهم مثل متنيا وعازريا وميثائل وعزيز‏.‏ وولى دانيال أحكام دولته‏.‏ وجعل إليه أمره وأذن له أن يخرج ما في الخزائن من السبي والذخائر والآنية ويرده إلى مكانه ويقوم في بناء القدس فعمره‏.‏ وراجعه بنو إسرائيل وسأله هؤلاء الأنبياء أن يرجعوا إلى بيت المقدس فمنعهم إغتباطاً بمكانهم‏.‏ وقيل‏:‏ إن كيرش هو كيرش بن كيكو بن غليم بن سام وهو الذي كنا قدمنا أن بهمن بعثه مع قائده بختنصر إلى فتح بيت المقدس وأن بختمرس ملكه بهمن على بابل وكان يسمى بختمرسي كما ذكرن فملكها وملك ابنه من بعده ثلاثاً وعشرين سنة ثم ابنه بلتنصر سنة واحدة ثم بلغ بهمن من سوء سيرته فعزله وولى على بابل داريوش ألماذة بن ماداي ثم عزله وولى كيرش بن كيكو وكتب إليه بهمن بأن يرفق ببني إسرائيل ويحسن ملكتهم وأن يردهم إلى أرضهم ويولي عليهم من يختارونه ففعل‏.‏ فاختاروا دانيال من أنبيائهم فولاه وقيل‏:‏ وهو لعلماء بني إسرائيل أن بلتنصر حافد بختنصر وهو ملك بابل والكلدانيين وأن دارا ويسمى داريوش ملك مازي وكورش وهو كيرش ملك فارس كان في طاعته فانتقضا عليه وخرج إليهم في العساكر فانهزم أولا ثم بعث عساكره وقواده إليهم فهزمهم‏.‏ ثم قتله خادمه على فراشه ولحق بداريوش وكورش وزحفا إلى بابل فغلبا الكلدانيين عليها واختص دارا وقومه مادي وأظنهم الديلم ببابل ونواحيها‏.‏ واختص كورش وقومه فارس بسائر الأعمال والكور‏.‏ وكان كورش نذر ببناء بيت المقدس وإطلاق الجالية ورد الآنية‏.‏ ثم هلك دارا وانفرد كورش بالملك على فارس ومادي ووفى بنذره‏.‏ هذا محصل الخلاف في بختنصر وكيرش والله أعلم‏.‏